كان فأر يعيش في مزرعة فرأى يوما صاحبها يخرج مصيدة من صندوق، فاندفع الفأر كالمجنون في أرجاء المزرعة وهو يصيح:
لقد جاؤوا بمصيدة الفئران .. يا ويلنا ..
هنا صاحت الدجاجة محتجة: تزعجنا بصياحك وعويلك فالمصيدة سيتم إعدادها لك .. هذه مشكلتك أنت وحدك ..
فتوجه الفأر إلى الخروف : الحذر، الحذر ففي البيت مصيدة ..
فابتسم الخروف وقال : يا جبان يا رعديد، لماذا تمارس السرقة والتخريب طالما أنك تخشى العواقب ثم إنك المقصود بالمصيدة فلا توجع رؤوسنا بصراخك، وأنصحك بالكف عن سرقة الطعام وقرض الحبال والأخشاب ..
هنا لم يجد الفأر مناصا من الاستنجاد بالبقرة التي قالت له باستخفاف:في بيتنا مصيدة!! .. يبدو أنهم يريدون اصطياد الأبقار بها .. هل أطلب اللجوء السياسي في حديقة الحيوان؟
وبعد ما تبين له أن لا أحد يهتم قرر أن يتدبر أمر نفسه وواصل التجسس على المزارع حتى عرف موضع المصيدة، وقرر الابتعاد من مكمن الخطر ونام بعدها قرير العين ..
وفجأة شق سكون الليل صوت المصيدة وهي تنطبق على فريسة .. وهرع الفأر إلى حيث المصيدة ليرى ثعبانا يتلوى بعد أن أمسكت المصيدة بذيله ثم جاءت زوجة المزارع وبسبب الظلام حسبته فأرا وأمسكت بالمصيدة فعضها الثعبان فذهب بها زوجها على الفور إلى المستشفى حيث تلقت إسعافات أولية، وعادت إلى البيت وهي تعاني من ارتفاع في درجة الحرارة. فقام المزارع بذبح الدجاجة لتوفير حساء لزوجته .. وتدفق الأهل والجيران لتفقد أحوالها، فكان لابد من ذبح الخروف لإطعامهم .. ولكن الزوجة المسكينة توفيت بعد صراع مع السموم دام عدة أيام وجاء المعزون بالمئات واضطر المزارع إلى ذبح بقرته لتوفير الطعام لهم .. وبذلك يكون الحيوان الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو الفأر الذي كان مستهدفا بالمصيدة وكان الوحيد الذي استشعر الخطر .. بينما الآخرون حسبوا أنهم بعيدون عن المصيدة فلم يستشعروا الخطر بل استخفوا بمخاوف الفأر الذي كان يعرف بالغريزة والتجربة .. أن ضحايا المصيدة قد يكونون أكثر مما يتصورون .. حتى لو كـانت المشكـلة التي تحدث قريباً منك لا تعنيـك فلا تستخف بهـا لأنه من الممكن آن تؤثر عليك نتائجها لاحقـا.
فعندما جعلوا الدين فى المدارس مادة سقوط ونجاح، وإن اهماله لن يؤثر على المستوى الدراسى، كبرنا اكتشفنا إن إهمال الدين سقط مجتمع بحاله.
منعوا الكتاتيب بقصد وخبث ومؤامرة وجههوا مسار راسبى الثانوية مرتين إلى دبلوم المعلمين ليؤسسوا طلاب الابتدائية ثم يتباكوا على اللغة العربية ومستوى التعليم المتدهور.
وأنت لو تركت تاجر المخدرات القابع على أول شارعكم، غدا سيذهب إبنك له بنفسه… والبنت التى تجلس مع شاب على الكورنيش فى وضع مخل لو لم تنكر فعلها، بنتك غدا ستقلدها… والموظف الذى رأيته يأخد رشوة لو لم تبلغ عنه، غدا سيضيع حقك وحق ولادك… فإنت مطالب بإصلاح المجتمع ليس من أجل أحد بل لأجلك وأجل أسرتك … أستنكر وأنتقد وندد وأشُجب وأنصح ووعى من حولك.. ومن يقولك (خليك ف حالك) فهو (معرص) لا دخل لك به.
فنان رسم لوحة وظن أنها الأجمل على الإطلاق .. أراد أن يتحدى بها الجميع فوضعها في مكان عام وكتب فوقها العبارة التالية :
“من رأى خللاً ولو بسيطاً فليضع إشارة حمراء فوقها”.
عاد في المساء ليجدها مشوهة بإشارات حمراء تدل على خلل هنا وهنا لدرجة أن اللوحة الأصلية طمست تماماً.
ذهب إلى معلمه وقرر ترك الرسم لشدة سوئه .. فأخبره المعلم بأنه سيغير العبارة فقط .. ورسم ذات اللوحة ووضعها بذات المكان، ولكنه وضع ألواناً وريشة وكتب تحتها العبارة التالية :
“من رأى خللاً فليمسك الريشة والقلم وليصلح”.
فلم يقترب أحد من اللوحة حتى المساء .. وتركها أياماً ولم يقترب منها أحد .. وهنا الجوهر ..!!
فقال له المعلم : كثيرون الذين يرون الخلل في كل شيء .. ولكن المُصلحين نادرون، هذا هو حال الناس..
“نرى الأخطاء ونعشق الإنتقاد ولا أحد يقدم الحلول”!
طلب السلطان سليمان القانوني أن يؤتى إليه بمهندس موثوق بعلمه وأمانته، فجيء إليه بمهندس من أصل أرمني إسمه معمار سنان، فعهد إليه بهدم إحدى السرايات القديمة وإنشاء سرايا جديدة مكانها. فقام هذا المهندس بما طُلب منه على أحسن وجه، وكان السلطان له اعين يراقبون ويتجسسون وينقلون للسلطان ماذا يعمل وبعد الإنتهاء من تشييد هذه السرايا استدعاه السلطان وقال له عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالاً ثم استبدلتهم بعمّال آخرين في عملية البناء، فلماذا فعلت ذلك؟؟
أجابه المهندس ناس للتدمير وناس للتعمير، ومن يصلُح للتدمير لا يصلُح للتعمير وأُعجب السلطان بحكمة المهندس وعينه مستشاراً وقد شيد لاحقاً أعظم مباني الدولة العثمانية انا ذاك
والعبرة من هذه القصة انه من دمر وهدم وساهم في الخراب من المستحيل ومن غير الممكن ان يساهم بالبناء لأن من يصلُح للتدمير لا يصلُح للتعمير .
تركنا النهي عن المنكر حتى خرج لنا اهل المنكر ينهوننا عن المعروف، لذا يجب أن نعمل على تغيير المنكر مع الأخذ بالاعتبار مدى الضرر وقياس القدرة كما قال صلى الله عليه وسلم:” من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ “.
بقلم السيد السعيد علام