أخبار القليوبيةالرئيسيةعاجلكتاب الموقعمقالات

عامل نفسه من بنها(2) اعمل نفسك من بنها

بعد يوم طويل وشاق من العمل وضعت أمي الطعام أمام أبي على الطاولة وكان معه خبز محمص، لكن الخبز كان محروقا تماما.. مد أبي يده إلى قطعة الخبز، وابتسم لوالدتي وسألني كيف كان يومي في المدرسة؟ .. لا أتذكر بماذا أجبته، لكنني أتذكر أني رأيته يدهن قطعة الخبز بالزبدة والمربى ويأكلها كلها.. عندما نهضت عن طاولة الطعام سمعت أمي تعتذر لأبي عن حرقها للخبز وهي تحمصه.. ولن أنسى رد أبي على اعتذار أمي:
حبيبتي .. لا تكترثي بذلك، أنا أحب أحيانا أن آكل الخبز محمصا زيادة عن اللزوم، وأن يكون به طعم الاحتراق.
وفي وقت لاحق من تلك الليلة عندما ذهبت لأقبل والدي قبلة (تصبح على خير)، سألته :إن كان حقا يحب أن يتناول الخبز أحيانا محمصا إلى درجة الاحتراق؟.
فضمني إلى صدره وقال لي هذه الكلمات التي تحتاج إلى تأمل:
يا بني أمك اليوم كان لديها عمل شاق وقد أصابها التعب والإرهاق وشيء آخر، أن قطعة من الخبز المحمص زيادة عن اللزوم أو حتى محترقة لن تضر حتى الموت .. الحياة مليئة بالأشياء الناقصة، وليس هناك شخص كامل لا عيب فيه .. علينا أن نتعلم كيف نقبل النقص في بعض الأمور، وأن نتقبل عيوب الآخرين .. وهذا من أهم الأمور في بناء العلاقات، وجعلها قوية مستديمة.. خبز محمص محروق قليلا لا يجب أن يكسر قلبا جميلا .. فليعذر الناس بعضهم بعضا؛ وليتغافل كل منا ما استطاع عن الآخر؛ ولنترفع عن سفاسف الأمور.
فالنقد المُستمر يُميت لذة الشيء!.. الشجرة لو تعرضت لرياح دائمة لأصبحت عارية من أوراقها وثمارها!، كذلك الشخص .. إن تعرض للنقد الجارح باستمرار يُصبح سلبي .. امدحوا حسنات بعضكم وتجاوزوا عن الأخطاء، فإن الكلام الجميل مثل المفاتيح تقفل به أفواهٍ وتفتح به قلوب.
فلا يخلو شخصٌ من نقص، ومن المستحيل على أي زوجين أن يجد أحدُهما كل ما يريده في الطرف الآخر كاملاً، كما أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن يشعر أحدها بالضيق من تصرف عمله الآخر، وليس من المعقول أن تندلع حربُ شتائم وسباب وربما ضربٌ كل يوم أوكل أسبوع، على شيء تافه كملوحة الطعام أو نسيان طلب أو الانشغال عن وعد -غير ضروري- أو زلة لسان، فهذه حياةُ جحيم لا تطاق
طلبت زوجةٌ من زوجها أن يكتب لها عدداً من صفاتها السلبية التي يتمنّى أن تُغيّرها .. وذلك بناء على طلب إحدى الجمعيات النسائية التي تشترك فيها زوجته .
فما كان من الرجل إلا أن كتب : –
*”أُحب زوجتي كما هي ولا أرى فيها ما يعيبها”*.
وأعطاها الورقة مُغلّفة كما طلبت الجمعية من أعضائها .
وفي اليوم التالي عاد ليجد زوجته تقف عند باب المنزل وفي يدها باقة ورد وهي تستقبله بالدموع مِن شِدة الفرح .
لقد كانتْ مفاجئة عظيمةً بالنسبة لها، خاصة أنها اكتشفت ذلك المديح على الملأ واخذت جائزه احسن رد زوج .
يقول الزوج: كان لدي أكثر مِن عشرة أخطاء تقع فيها زوجتي إلا أني علمت أن العلاج لن يكونَ بذكرها أبدا .
*والعجيب أن زوجته تحسنت بنسبة أكثر مِن سبعين بالمائة*.
ذكر العيوب عادة يولد النفور والاكتئاب والعناد *وخاصة إذا كان أمام الآخرين* .
أما المديح فيبعث الحب والسرور ويعطي طاقة إيجابية ويكون محفزا على التَّحسُّن … *”…وقولوا للناسِ حُسْنًا…”*
وهذه دعوة للتغافل -لا الغفلة -عن بعض ما يصدر من الزوجات والأولاد من عبث أو طيش: فذلك نمط من أنماط التربية الإسلامية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاءُ في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموما؛ فالعاقل لا يستقصي، ولا يشعر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة؛ لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، وذلك أبلغ وأوقع .. كما يجدر بالوالدين ألا يضخموا الأخطاء، ويقدروها بأكبر من حجمها، بل عليهم أن ينزِّلوها منازلها، وأن يدركوا أنه لا يخلو أحدٌ من الأخطاء، فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمُقِلٌّ ومستكثِر.
ليكن شعارُك: أنا أعرفُ كل ما يدور حولي لكني أتغافل عنه!!.
وتذكر دائما: أن ولدك أو زوجتك إن أخفوا عنك ما تكره فهذا من تقديرهم لك.
انه فن التغافل .. ببساطة وبالدارج تكبير الدماغ وتجاهل التفاهات وبالعامية ” فن التطنيش “.. تصنع عدم الانتباه لتوافه الأمور .. وتجاهلها طالما هي صغيرة ولا تضخم المواقف، قالوا أن التغافل نصف العقل .. وقيل إنه العقل كله.
فعندما تعرف وتفهم كل شئ وعامل نفسك عبيط؛ فى حد ذاته يشعرك انك (برنس) داخل نفسك، فلا تخاف من الذى يعمل نفسه فاهم ولكن خاف من الذى يعمل نفسه عبيط.
قال الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الخلق العظيم:”تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل”، قال معاوية -رضي الله عنه-: “العقلُ مكيالٌ، ثلثه الفطنة، وثلثاه التغافل”، قال الشافعي -رحمه الله-: “الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل”. ففَرْقٌ بين أن تقصد الغفلة وبين الغباء، فالأول محمود، والثاني مذموم.. كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “مَن لم يتغافل تنغصت عيشته”. وقال الأعمش رحمه الله:” التغافل يطفئ شراً كثيراً”، يقول نجيب محفوظ: (اذا تعلمت التجاهل فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة)
وكم من أزمة ماتت في مهدها بالتغافل!
لكن إن لم يمارس التغافل بطريقه صحيحة فنتائجه ستكون سلبية على المتغافل والمُتغافَل عنه:
أولاً :أن نتغافل .. يعني أن “نتصنع” الغفلة والجهل وعدم الانتباه مع حضورنا وانتباهنا وفهمنا وإدراكنا .. إخماداً لفتنة في منطلق شرارتها .. أو منعاً لإحراجنا أو إحراج غيرنا .. أو تجاوز عن تفاهة لا معنى للخوض فيها وضررها أقرب من نفعها.. وحتى لا نخسر قريباً أو نمكن عدواً منا.
ثانيا:التغافل يمنح وقتاً للتفكير، ودراسة الموضوع من جميع جوانبه والسبر في أغواره، ويمنح الطرف الآخر فرصة للتراجع والمراجعة والإصلاح .. وتغافلك للعدو خدعة .. تجعله يطمئن ويتمادى مع تقليل حذره منك فيجعلك في موقف أقوى وموقع استراتيجي أفضل، وقد يكشف العدو نفسه بنفسه بتغافلك الواعي وفي النقاش والتفاوض .. يعطيك التغافل فرصة أكبر للتفكير، والتصيد والانقضاض الحكيم المدروس وفي كل الحالات.. فالتغافل عن السلبيات إيجابية، أما التغافل عن الإيجابيات سلبية. وفي حالة “التغافل الإيجابي” .. ليس من الحكمة الاستمرار بالتغافل الكامل على خطأ مستمر أو ما يحتاج للتدخل السريع بنصيحة أو تنبيه أو سلوك معين .. لوقف ضرر قائم أو ضرر آت أو رفع ظلم وإحقاق حق.
فالتغافل يكون على الصغائر وتوافه الأمور .. والتغافل بحكمة مع الكبائر والعظائم لترتيب الأفكار والأوراق قبل أي ردة فعل غير حكيمة. فخلقُ التغافل من أحسن الأخلاق، وبهذا الخلق الكريم النبيل تبقى العلاقات وتنمو المحبات وتزدهر.
المتغافل يعلم عن هذا الخطأ ويستطيع معاقبة المخطئ ولكنه يتغافل عن ذلك ليبقيَ حبل المودة .. وألا يدقق الإنسان في الحقوق الشخصية، وليس أن نتغافل عن التقصير في حقوق الله، من صلوات أو صيام أو حجاب، فهذا لا يجوز فيه التغافل، ويجب الأمر بالمعروف برفق والنهي عن المنكر برفق متذكرين: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، لكن للأسف إن الكثيرين يتغافلون في حقوق الله وحقوق الغير ولا يتغافلون عن حقوقهم ويطالبون بها سواءأكانت حقيقية أو مزعومة.
ومن أسس التغافل .. تدريب النفس على التأني والحلم والصبر وكظم الغيظ ولا يكون كل ذلك إلا بصفاء الفكر وطهارة النفس وسلامة القلب وكلها عناصر للحكمة تستحق أن نقضي حياتنا في تعلمها والتطبع بها، ولكل شيء مهاره.. ومهارة فن التجاهل والآمبالة في هذه الأمور تعوّد الإنسان على الصبر والتحمل وكظم الغيض وعدم الغضب.. التجاهل مهارة وإبداع راق لا يتقنه إلا محترفو السعادة بإذن الله .. لا تستغرب .. جرب وحاول أن تتمالك نفسك وستتعود على هذه القدرة الرائعة ..التجاهل جميل جداً .. خاصة عندما يكون حولك الكثير من ضغوطات الحياة ..لا تركز في كل ما حولك من مضايقات ..بل اغفل عنها .. ودع عقلك الباطني يلتفت عنها بعيداً .. إن تركيزك وتفكيرك في هذه الأمور وحديثك عنها بالشكوى والتذمر يزيدك ألما وتعباً .. أما تجاهلك عنها فيريح أعصابك .. ويمنحك طاقه لبقية يومك ..حتى في حياتك الاجتماعية، حاول أن تتجاهل عن بعض المكدرات مثل سلوك وكلام بعض الاشخاص.. وما القصد من وراء كلامه وتأكد انك سترتاح.
ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺠﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻳﻮﺟﻪ ﻛﻼﻡ ﺟﺎﺭﺡ: ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺤﻤﻲ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﻦ ﺃﺛﺮ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ ؟
ﻳﻘﻮﻝ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺨﺎﻃﺮﺓ: ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎﻋﻚ ﻗﻮﻻً ﻣﺆﺫﻳﺎً ﺃﻭ ﺟﺎﺭﺣﺎ ﻣﻦ :
ﺯﻭﺝ ﺃﻭﺯﻭﺟﺔ ﺃﻭ ﺃﺥ ﺃﻭ ﺃﺧﺖ ﺃﻭ ﺃﺏ ﺃﻭ ﺃﻡ ﺃﻭ ﻗﺮﻳﺐ ﺃﻭ ﺑﻌﻴﺪ … ﻳﻘﻊ ﺑﺎﻟﻘﻠﺐ ﺃﻟﻢ ﻭ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺧﺪﻭﺵ،، !!!
ﻓﺈﺫﺍ ﺳﻜﺖ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﺗﺠﺎﻭﺯﺕ ﺳﻤﻲ ﻫﺬﺍ: ‏( ﺍﻟﺤﻠﻢ ﻭﺍﻟﻌﻔﻮ ‏) ﻭﻟﻜﻦ !…
ﻛﻴﻒ ﺃﺗﺠﻨﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻟﻢ ؟ .. ﻭﺍﻷﻫﻢ ﻛﻴﻒ ﺃﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺃﺫﻯ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﺍﻟﺠﺎﺭﺣﺔ، ﻟﻜﻲ ﻻ ﺗﺼﻴﺒﻚ ﺃﻣﺮﺍﺽ ﻣﺜﻞ :
ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ، ﺍﻟﻐﻞ، ﺍﻟﺤﺴﺪ ﺃﻭ ﻣﺮﺽ ﺟﺴﺪﻱ ﺃﻭ ﻋﺼﺒﻲ ﺍﻟﺦ … ؟؟
ﻳﺸﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﻗﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ :
● ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﺠﺮ :
﴿ﻭَﻟَﻘَﺪ ﻧَﻌﻠَﻢُ ﺃَﻧَّﻚَ ﻳَﻀﻴﻖُ ﺻَﺪﺭُﻙَ ﺑِﻤﺎ ﻳَﻘﻮﻟﻮﻥَ * ﻓَﺴَﺒِّﺢ ﺑِﺤَﻤﺪِ ﺭَﺑِّﻚَ ﻭَﻛُﻦ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺴّﺎﺟِﺪﻳﻦَ﴾
● ﻭ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﻃﻪ :
﴿ﻓَﺎﺻﺒِﺮ ﻋَﻠﻰ ﻣﺎ ﻳَﻘﻮﻟﻮﻥَ ﻭَﺳَﺒِّﺢ ﺑِﺤَﻤﺪِ ﺭَﺑِّﻚَ ﻗَﺒﻞَ ﻃُﻠﻮﻉِ ﺍﻟﺸَّﻤﺲِ ﻭَﻗَﺒﻞَ ﻏُﺮﻭﺑِﻬﺎ ﻭَﻣِﻦ ﺁﻧﺎﺀِ ﺍﻟﻠَّﻴﻞِ ﻓَﺴَﺒِّﺢ ﻭَﺃَﻃﺮﺍﻑَ ﺍﻟﻨَّﻬﺎﺭِ ﻟَﻌَﻠَّﻚَ ﺗَﺮﺿﻰ﴾
● ﻭ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺳﻮﺭﺓ ﻕ :
﴿ﻓَﺎﺻﺒِﺮ ﻋَﻠﻰ ﻣﺎ ﻳَﻘﻮﻟﻮﻥَ ﻭَﺳَﺒِّﺢ ﺑِﺤَﻤﺪِ ﺭَﺑِّﻚَ ﻗَﺒﻞَ ﻃُﻠﻮﻉِ ﺍﻟﺸَّﻤﺲِ ﻭَﻗَﺒﻞَ ﺍﻟﻐُﺮﻭﺏِ﴾
ﻓﻠﻚ ﺃﻥ ﺗﻼﺣﻆ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﺑﻌﺪ ﻛﻠﻤﺔ ‏( ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ‏) ﻓﻮﺭﺍً … ﺃﻱ ﻋﻨﺪ ﺳﻤﺎﻉ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻤﺆﺫﻱ … ﻓﺴﻼﻣﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻣﺮ ﻣﻬﻢ، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻳﻘﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺃﺫﻯ ﻳﺴﺒﺒﻪ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺠﺎﺭﺡ ﻭﻟﻴﺲ ﻭﻗﺎﻳﺔ ﻓﺤﺴﺐ، ﺑﻞ ﻳﻮﺭﺛﻚ ﺭﺿﺎ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﻪ ﻳﺴﺘﻘﺮ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ …. ﺇﻥ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻳﻘﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﻳﺸﻔﻲ ﺻﺪﻭﺭﻧﺎ ﺑﻞ ﻭﺃﺛﺮﻩ ﺃﺳﺮﻉ ﻣﻤﺎ ﻧﻈﻦ …. ﺟﻌﻠﻨﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺒﺤﻴﻦ ﺁﻧﺎﺀ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺃﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ .. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺘﺒﺎﻫﻮﻥ ﺑﻄﻮﻝ ﺃﻟﺴﻨﺘﻬﻢ ﻭﻗﺪﺭﺗﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺗﺠﺮﻳﺤﻬﻢ ﻭﺍﻟﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺍﻧﻪ ﻻﺍﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﻣﺠﺎﺑﻬﺘﻬﻢ ﺍﻭ ﺍﻟﻘﺪﺭﻩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺈﻟﻴﻜﻢ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐ ﺻلى ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ “ﺇﻥ ﺃﺷﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻦ يتقيه ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﻟﺴﺎﻧﻪ”
من الصعب طبعاً أن تبقى في حالة غفلة أو تجاهل تام طوال الوقت بالتأكيد ستنهار وتفقد حيويتك وتبقى طوال الوقت متوتراً .. والتجاهل والتغافل لا يعني أن لا يحاول الإنسان معالجة مشاكله .. لكنه يفيد في التعامل مع ضغوطات الحياة البسيطة المتكررة والتي قد توصلنا إلى الاندفاع ومن ثم الندم والتي قد تدفعنا إلى الجنون أحياناً.. وليس التغافل عن الزلات دليلا على غباء صاحبه وسذاجته؛ بل هو العقل والحكمة .. كم من مشاكل وقعت في المجتمع أدت إلى مصائب كان سببها عدم التغافل!.. وأن معظم النيران من مستصغر الشرر .. فإذا أردت أن تعيش سعيدا فلا تحلل كل شيء ولا تفسر كل شيء ولا تدقق في كل شيء .. تجاهل كثيرا فإن الذين حللوا الألماس وجدوا أصله فحما .. فمن الناس من يغرم بتصيد أخطاء من حوله وتتبع زلاتهم، ويرى ذلك دهاء وذكاء، فتجده منشغلاً بتتبع الزلات وتصيد الأخطاء حتى يوصف بين الناس بالدهاء، ويظن ذلك فخراً له؛ لكنه في حقيقته ذم وقدح؛ لأن الناس تتجنبه وتكره الحديث إليه.
يقول ابن حزم -رحمه الله-: “احرص على أن توصف بسلامة الجانب، وتحفّظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك؛ حتى ربما أضر ذلك بك، وربما قتلك.
فامسح الخطأ لتستمر الأخوة ولا تمسح الأخوة من أجل الخطأ .. فعندما تتعرض للإساءة: فلا تفكر في أقوى رد بل فكر في حفظ الود.. فالتغافل ليس غباء والتسامح ليس ضعفا والصمت ليس انطواء، هى تربية وعبادة..
وأخيرا كن متغافل لا غافل ولا مغّفل، وقد صرنا فى زمن القانون لا يحمى المغفلون.
ولب التغافل ورأس الحكمة:
الترفع وترك الفضول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه “، ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت “.
التراحم والتكافل والمحبة وتقديم الخير: قال صلى الله عليه وسلم: ” من فرج على مؤمن كربة فرج الله عليه كربة من كرب يوم القيامة”، ” لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه ” بالتغافل عن الزلات والعيوب ترفع الحرج عن الناس، وهذا ما تحبه لنفسك ويعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن من كمال الإيمان أن تحب لنفسك ما تحبه لغيرك .
الستر: قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :” من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة… ” من عير عير .. ومن عاب على انسان واقع في خطأ وقع في نفس الخطأ وإذا سترت اليوم على إنسان زلته، منحته فرصة للإصلاح غداً.
عن ابن المبارك رحمة الله عليه قال: “كان الرجل إذا رأى من أخيه ما يكره أمره في ستر، ونهاه في ستر، فيؤجر في ستره ويؤجر في نهيه، فأما اليوم فإذا رأى أحد ما يكره استغضب أخاه وهتك ستره”.. فكلما استطعت أن تستر على مسلم فاستره، وما يحدث فى وسائل الأعلام والتواصل الاجتماعى من فضائح وهتك الستر فحدث ولا حرج!.
الأدب وحسن الخلق: التغافل .. من محاسن الأخلاق، فكريم النفس يتغافل عن هفواتك وكبواتك ولئيم الطبع هو من يتصيد أخطاءك ويتجاهل حسناتك.
حسن الظن والنية الحسنة : قد تستعجل الحكم والتنبيه على أمر ترائى لك أنه مشين ، بينما هو في الواقع كان مبني على نية حسنه والخطأ فيه لم يكن مقصوداً .. فالتغافل في هذه الحالة عين العقل ودليل الحكمة والتأني .. قال صلى الله عليه وسلم :” إنما الأعمال بالنيات وأنما لكل إمرء ما نوى ” فربما لاح لنا أمر لا يعجبنا قد تكون النية فيه حسنه ولكنه أساء التصرف .
مبدأ التوازن: الأخذ بالاعتبار مدى الضرر وقياس القدرة قال صلى الله عليه وسلم:” من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ “. فالذي يحبك يتغافل عن سلبياتك .. ولكن لا يهمل نصيحته او تنبيهك على أخطاءك حتى لا تتعرض للخطر والضرر. والحكيم من نصح سراً وبطلف ويتحين الوقت المناسب وإن كان لا يعرفك والأحمق من نصح علناً وبعنف وفي أي زمان ومكان وإن كان يحبك.
تصوير القرآن الكريم للتغافل: قال تعالى ممتدحاً صفة من صفات عباد الرحمن : ” وإذا مروا باللغو مروا كراماً “.
وقال جل جلاله معلماً لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: ” وأعرض عن الجاهلين “وذم الله عز وجل أهل النار في إجابتهم لسؤال أصحاب اليمين عن أسباب خسارتهم للأخرة:” وكنا نخوص مع الخائضين” ونهى الله عز وجل عن السخرية والاستهزاء والظن السيء والتجسس والغيبة .. وكلها من الأمور المناقضة لمبادئ الأخلاق ومنافيه لمبادئ التغافل .. قال سبحانه وتعالى :” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خير منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خير منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ”
” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم “.
هناك ما يسمى بأدب التغافل أو الإغضاء عن هفوات الناس كنوع من مراعاة المشاعر والأحاسيس.
وقد نبه الله إليه في كتابه الكريم فقال :
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } (15) .
وقال الحسن : “ما استقصى كريم قط
قال الله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض ” .
ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.
وقال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،
فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم.
ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله،
فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟
فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
قد نرى هذا السلوك فى زماننا شاقا، الأ اننا لو حاولنا بنسب متفاوتة لتفادينا مشاكل عدة.
بقلم السيد سعيد علام

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى