كتاب الموقعمقالات

رمضان عرفة يكتب.. قراءة في انشقاقات جماعة الاخوان

 

أصبحت نظرية استاذية العالم التي بلورها مؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا، تنهار بعد أكثر من تسعة عقود على تأسيس التنظيم في 1928، وبات العالم اليوم، أكثر إدراكا بحجم الخطر الذي يمثله التنظيم الإيديولوجي المتطرف، الذي خرج من تحت عباءته الجماعات الإرهابية التي عرفها العالم على مدى السنوات الماضية.
وتحول حلم الاستاذية الى كابوس خاصة بعد ان سحقهم الشعب المصري في ثورة 30 يونيو عام 2013 مسقطا مشروعهم المهدد لامن وسلامة الوطن، ومع نجاح الأجهزة الأمنية في اصطياد عناصر ورؤوس المخطط العبثي الإخواني دبت حالة التخبط والانهيار في صفوف التنظيم، خصوصا مع نجاح المؤسسات الأمنية المصرية في القبض على محمود عزت الذي مثل سقوطه ضربة قاضية في قلب الجماعة.

واستمرارا لحالة الانشقاق والانهيار شهدت جماعة الإخوان المصرية خلال الايام الماضية تطورات متلاحقة وسريعة تنذر بإعلان انقسامها وانشقاقها رسمياً، خاصة بعد فشل محاولات الصلح بين جبهتي إبراهيم منير القائم بعمل المرشد، ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، وكانت الخلافات قد احتدمت بين جبهتي الصراع بسبب ملفين رئيسيين باتا يشكلان عمق الأزمة في الجماعة، وهي انتخابات المكتب في تركيا والتي جرت مؤخراً وشهدت طعوناً كثيرة في نتائجها وإجراءاتها وعدم اعتراف مجموعة محمود حسين بها. أما النقطة الثانية فهي تزايد غضب الشباب من سوء أوضاعهم المعيشية في تركيا وتقييد فضائيات الجماعة في اسطنبول بتعليمات تركية، وما تلاها من وقف عدد من مذيعي الإخوان ووقف أنشطتهم على مواقع التواصل والتهديد بترحيلهم. هذا الأمر دفع محمود الإبياري، المسؤول البارز في التنظيم الدولي، لطمأنه الشباب وتعهده بحل مشاكلهم واحتوائها.
وخلال الايام الماضية حدثت اتصالات لمحاولة عقد هدنة بين الجبهتين والصلح بينهما. وشهدت الاجتماعات اتفاقات على تكوين مظلة جامعة للإخوان وعدد من المعارضين المصريين في تركيا وبريطانيا تحت مسمى “اتحاد القوى الوطنية”، وإجراء انتخابات لتشكيلها على أن يكون رئيس الاتحاد أيمن نور.

قرر ايمن نور تشكيل قائمة مكونة من القيادي الإخواني مدحت الحداد الذراع اليمنى لمحمود حسين ومسؤول الأنشطة الاستثمارية للجماعة في تركيا ليكون النائب الأول له، ويعاونه عبد الموجود راجح درديري وهو قيادي إخواني هارب ويقيم في أمريكا حالياً وكان عضواً بمجلس الشعب المصري إبان عهد الإخوان،وضم نور لقائمته كذلك أسامة رشدي القيادي بالجماعة الإسلامية، الذي كان عضواً بمجلس حقوق الإنسان في مصر إبان حكم الإخوان، ويقيم في لندن حالياً، ومعه محمود فتحي رئيس حزب الفضيلة السلفي الذي كان عضواً فيما يسمى “تحالف دعم الإخوان”..

ووفق المعلومات، فإن الهدف من هذه القائمة وتشكيل ما يعرف بـ”اتحاد القوى الوطنية”، هو منع أي انشقاقات داخل جماعة الإخوان من ناحية، وتوحيد الصف بين جبهتي محمود حسين وإبراهيم منير من ناحية أخرى، بالإضافة لضم القيادات والعناصر المعارضة الأخرى للعمل تحت لواء الجماعة لتعضيد موقفها والإيحاء بقوتها وتكاتف القوى السياسية الأخرى المتحالفة معها في الخارج.
وتزامنت تلك المحاولات مع جهود أخرى يقوم بها محمود الإبياري القيادي في التنظيم الدولي والرجل الثاني فعلياً في الجماعة (والمقيم في لندن) لاحتواء غضب شباب الإخوان في تركيا بسبب أوضاعهم المعيشية السيئة، ومحاولة امتصاص غضبهم من تصرفات وممارسات قيادات الجماعة في إسطنبول.

وكانت المفاجأة عقب كل ذلك هو رفض إبراهيم منير القائم بعمل المرشد لكافة تلك الجهود، ورفضه كذلك أي دور جديد لقيادات الإخوان في تركيا، وتحديداً جبهة محمود حسين، بعد قراره بإحالتهم للتحقيق ورفضهم لهذا القرار ورفضهم كذلك لانتخابات مكتب تركيا والتي جرت مؤخراً.
وكشفت مصادر أن إبراهيم منير رفض تصرفات 6 من قيادات الجماعة وأعضاء مجلس الشورى العام بعدما هددوا رسمياً بعقد اجتماع للمجلس وإزاحته وقيادات التنظيم الدولي في لندن من الجماعة وفصلهم نهائياً. كما علم منير بإعلان حسين وجبهته نيته الاستقلال بأصول الجماعة وأموالها وأنشطتها الاستثمارية وممتلكاتها في تركيا وعدد من الدول، وهو ما دفعه لرفض الصلح معه، بل وإحالته للتحقيق مجدداً وتجميد صلاحياته. هذا الأمر ينذر بقرب إعلان انشقاقات رسمية داخل صفوف الجماعة وسيطرة كل جبهة من الجبهتين المتصارعتين على ما يقع تحت أيديها من أموال وأصول ومكاتب وممتلكات ومن يخضع لسلطتها من عناصر الجماعة.

وخلال الأيام الماضية، لجأت الجماعة لشركة علاقات عامة دولية لإجراء تقييم يمكن الخروج منه بتوصيات لإنقاذ الجماعة من التفكك والانهيار، فيما تزايدت حدة الانتقادات والاتهامات المتبادلة بين الجانبين على منصات الجماعة وفي مواقع التواصل، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل بدأت اللجان الإلكترونية التابعة لجبهتي الصراع بشن حملات متبادلة وبإطلاق انتقادات لكلا الطرفين. واتهم كل طرف الآخر بتكريس التحزب والشخصنة، مطالباً بتوحيد الصف الإخواني ومستدلاً بما وصلت إليه الجماعة من ضعف وتراخٍ أدى حسب تأكيد قيادات الجماعة لانضمام بعض شبابها إلى صفوف داعش.

تطورات سريعة ومتلاحقة تشهدها صفوف جماعة الإخوان، خاصة في ظل الحرب الدائرة بين جبهتي اسطنبول في تركيا بقيادة محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، وجبهة لندن بقيادة إبراهيم منير القائم بعمل المرشد، حيث قرر منير تجميد عضوية مجموعة من مجلس الشورى العام على رأسهم محمود حسين، فيما قررت جبهة محمود حسين فصل منير من منصبه كقائم بأعمال المرشد.

وقرر منير تجميد عضوية كل من محمود حسين ومدحت الحداد ومحمد عبدالوهاب وهمام علي يوسف ورجب البنا وممدوح مبروك، مستنكرا التصرفات والإجراءات التي قاموا بها، حسب زعمه، لشق صفوف الجماعة، ومؤكدا أن كل من شارك في أي إجراءات تشق الصف الإخواني يعتبر نفسه خارج الجماعة.

وأيد عدد كبير من قيادات الجماعة في تركيا وغالبيتهم من المخالفين لمحمود حسين وتصرفاته وتصرفات مجموعته قرارات منير، حيث اعتبر جمال حشمت القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب المصري السابق والهارب لتركيا ما حدث بثورة تصحيح وإصلاح، واصفا القرارات بأنها جاءت بعد 8 سنوات من الفشل والتعسف، وسوء استعمال المؤسسات وتفريغ مجلس الشوري العام والتلاعب بسبب جبهة محمود حسين.

أكد حشمت فشل محاولات التصالح والتراضي بين الجبهتين عبر 7 مبادرات تقدم بها لحل الأزمة ومبادرات أخرى تقدم بها اتحاد علماء المسلمين والداعية يوسف القرضاوي، معلنا ضرورة خروج من أساؤوا إلى الجماعة حسب زعمه من صفوفها.

في غضون ذلك أعلنت جبهة أسطنبول بقيادة محمود حسين أنها قررت فصل إبراهيم منير من منصبه كقائم بعمل المرشد، وبعث ممدوح مبروك عضو مجلس الشورى العام، رسالة إلى أعضاء المجلس أبلغهم فيها بسحب الثقة من منير، و”إعفائه من منصبه كنائب للمرشد العام وكقائم بعمله، مع بقائه في تكليفاته خارج مصر.

وتضمنت رسالة مبروك قرارا آخر بإلغاء الهيئة المشكلة والتي تعمل كبديل مؤقت لمكتب إرشاد الجماعة طبقا لوثيقة الهيئة الصادرة عن مجلس الشورى العام في 16 يناير الماضي، وإلغاء قرار منير ببطلان وعدم صحة قرارات الإيقاف الصادرة بحق أعضاء الشورى العام، واعتبارها كأن لم تكن، معلنا أن مجلس الشورى في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات أولا بأول لحين استقرار الأوضاع.
من جانب اخر طالب ابراهيم منير من قيادات التنظيم الدولي تكثيف تأمينه وزيادة أفراد حراسته الشخصية وحراسة منزله خشية تصفيته.

وذكرت مصادر أن منير وصلته معلومات مؤكدة بوجود خطر يتهدد حياته وتصفيته جسديا في ظل صراعه القوي مع مجموعة اسطنبول، ومحاولة كل طرف الانفراد والاستئثار بأمور وشؤون الجماعة وأموالها وممتلكاتها واستثماراتها بعد القبض على محمود عزت نائب المرشد، وتواجد باقي قيادات الجماعة في السجون المصرية.
هذا الانشقاق لم يكن الاول ولا الاخير في صفوف الجماعة الارهابية فقد مرت جماعة الإخوان المسلمين عبر تاريخها بالعديد من الانشقاقات؛ و نحاول في هذا التقرير رصد أبرز هذه الانشقاقات وأسبابها.

في فترة حسن البنا:
شهدت الجماعة في عهد مؤسسها، حسن البنا، العديد من الخلافات الداخلية، نتج عنها انشقاقات عدة كان أبرزها انشقاق وفصل الرجل الثاني في التنظيم أحمد السكري، عام 1947م، وهو انشقاق لم يعرف سبب واضح له، لكن الرواية الرسمية للجماعة، تقول أن سبب الفصل هو «التمرد، وبث الفتنة، والاتصالات الضارة بمن يناوئون الدعوة ويريدون بها السوء، والتجسس على مخاطبات ومكالمات البنا الخارجية والداخلية، وأخذه مبالغ من جهات مختلفة باسم الإخوان لم يوصلها للجمعية.
شهدت هذه المرحلة أيضا، انشقاقات أقل أثرا مثل انشقاق مجموعة محمد عطية خميس، الذي أسس جماعة «شباب سيدنا محمد»، وانشقاق مجموعة محمد رفعت.

كما ظهر خلال عهد البنا نواة لانشقاق كبير جرت وقائعه في عهد المرشد الثاني حسن الهضيبي، فالنظام الخاص للجماعة بدأ في التفلت من يد المؤسس البنا، في أواخر الأربعينيات؛ برز ذلك عندما قام التنظيم الخاص بعدد من العمليات، كان أبرزها اغتيال محمود فهمي النقراشي، عام 1948، وإعلان البنا التبرؤ من عمليات الاغتيال والتفجير؛ كان هذا اعترافًا بخروج النظام الخاص بقيادة عبد الرحمن السندي عن السيطرة.

الهضيبي والانشقاق الأخطر:
أبرز الانشقاقات التي حدثت في جماعة الإخوان المسلمين، هو الانشقاق الذي حدث في عهد مرشدها الثاني، حسن الهضيبي، عندما قام قائد النظام الخاص عبد الرحمن السندي، وعدد من كبار مساعديه، بالخروج من الجماعة رفضا لسياسات الهضيبي

وفاقم عملية الانشقاق هذه انضمام مجموعة من المعترضين على سياسة الجماعة في العلاقة مع نظام ثورة يوليو 1952، وكان من أبرز المنشقين الشيوخ محمد الغزالي وسيد سابق وعبد المعز عبد الستار. ونجح نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في استقطاب عدد من هؤلاء وإدخالهم في مؤسسات الدولة الرسمية، مثل الشيخان محمد الغزالي وسيد سابق، وعبد العزيز كمال، الذي أصبح وزيرًا للأوقاف، بعدما كان عضوًا في التنظيم الخاص بالإخوان.

السبعينيات والثمانينيات الأكثر استقرارًا:
لم يشهد عقدا السبعينات والثمانينات، خلال ولاية المرشد الثالث عمر التلمساني، انشقاقات تنظيمية كبيرة داخل جماعة الإخوان، بسبب الانشغال بإعادة بناء الجماعة مرة أخرى، مستفيدة من مرحلة الانفتاح الساداتي، بعد المرحلة الصعبة التي مرت بها الجماعة في عهد جمال عبد الناصر.
حدثت بعض الانشقاقات الصغيرة وغير المؤثرة، مثل استقالة «فريد عبد الخالق» من مكتب الإرشاد احتجاجًا على سيطرة قيادات النظام الخاص على الجماعة، واستقالة الشيخ «عبد الستار فتح الله سعيد» من مكتب الإرشاد، احتجاجًا على موافقة الجماعة على التجديد للرئيس الراحل حسنى مبارك.

التسعينيات الصعبة:
شهد عقد التسعينات انشقاقان كبيران داخل جماعة الإخوان، كان أولهما في نهاية عهد المرشد الرابع محمد حامد أبو النصر، حيث انشق مجموعة تزيد على المائة شخص، من إخوان جامعة الأزهر، بقيادة محمد رشدي، وكانت حجة الانشقاق هي «خروج الجماعة عن الخط الإسلامي الملتزم.
الانشقاق الثاني حدث في بداية عهد المرشد الخامس، مصطفى مشهور، حيث خرج من الجماعة مجموعة كبيرة من القيادات الوسطى على رأسهم أبو العلا ماضي ومحمد عبد اللطيف وصلاح عبد الكريم، وتبنى هؤلاء مشروع حزب الوسط، تعبيرًا عن رغبتهم في الاندماج في الحياة السياسية.

ثورة يناير وظهور الخلافات الداخلية:
لم تشهد جماعة الإخوان انشقاقات مؤثرة منذ انشقاقات التسعينيات وحتى قيام ثورة 25 يناير 2011، حيث تلت الثورة العديد من الانشقاقات المؤثرة التي عبرت عن وجود تيارات متباينة داخل الجماعة، وكان على رأسها انشقاق وفصل عبد المنعم أبو الفتوح حينما قرر المرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع، فصل أبو الفتوح من الجماعة، بعدما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية، ورفض الانصياع لقرار الجماعة بعدم ترشح أي من أفرادها لهذه الانتخابات، وهو القرار الذي خالفته الجماعة فيما بعد، ثم انشقاق محمد حبيب واستقال من منصبه كنائبٍ أول لمرشد الجماعة، بعد انتخابات عام 2010 التي أتت بمحمد بديع كمرشد للجماعة، حيث شكك حبيب في نتائج الانتخابات. استمر حبيب كعضو في مجلس شورى الجماعة، حتى بعد ثورة يناير، لكنه اختلف مع الجماعة وطالب بالتحقيق في نتائج الانتخابات التي جاءت بمحمد بديع في منصب المرشد العام، ثم استقال بشكل نهائي، كما انشق عضو مجلس شورى الجماعة إبراهيم الزعفراني، بعد ثورة يناير، حيث لم يستجب لطلبه بتعديل لائحة الجماعة، والخلط بين العمل الحزبي والعمل الدعوي والتربوي والاجتماعي، وعدم السماح لأفراد الجماعة بالاشتراك في أي حزب غير الحرية والعدالة الحزب الرسمي للإخوان، ثم استقال الدكتور كمال الهلباوي من عضويته في جماعة الإخوان المسلمين، بعد إعلان مكتب الإرشاد ترشيح نائب المرشد العام المهندس خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، حيث اعتبر الهلباوي هذا تنصلًا من وعد الجماعة السابق بعدم ترشيح أحد للرئاسة.
وكان من الانشقاقات الهامة أيضًا، والتي أظهرت وجود رفض من شباب الجماعة لعدد من مواقفها، هو تأسيس عدد من شباب الإخوان لحزب التيار المصري، خلافًا لقرار الجماعة بتكوين حزب واحد فقط، ما أدى لاتخاذ قرارٍ بفصلهم.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى